سِيرة ابن الفارض



سِيرة ابن الفارض 

لم تحمل إلينا المصادر التاريخية الكثير من أخباره وسيرة حياته. ولد أبو القاسم عمر بن الفارض، الحموى الأصل والمصرى النشأة والمقام والوفاة، فى القاهرة فى الرابع من ذى القعدة سنة 576 هـ/ 1181م. ويتفق جميع من ترجموا له على أن اسمه "عمر"، وكنيته "أبو القاسم" أو "أبو حفص"، ولقبه "شرف الدين"، وأنه ابن أبى الحسن على ابن المرشد بن على، من أسرة كانت تفتخر بأن لها نسبًا متصلاً ببنى سعد، قبيلة حليمة السعدية مرضعة محمد، رسول الإسلام. 

المراحل الأساسية لتجربة ابن الفارض الصوفية



المراحل الأساسية لتجربة ابن الفارض الصوفية
إن أشعار ابن الفارض يُحيطها الكثير من الغموض في مدلولات ألفاظها وعباراتها. فبتطبيق الدراسة الدلالية التحليلية يمكن أن يُتَوصَّل إلى توضيح مدلولات ألفاظ نصها كما ترد فى سياقه، أو قل إلى "شرح النص بالنص عينه"، دون اللجوء إلى عباراتٍ ومفاهيم غريبةٍ عنه أو أجنبيةٍ عليه قد تشوش على القارئ مفاهيم النص الأصلية. وهذا مما يعاب على الكثير من الشروح والدراسات فى ديوان ابن الفارض قديمها وحديثها حيث يُلاحظ إسقاطات واسعة بمفاهيم أجنبيةٍ على النص الفارضي. 

لغة الحب فى التائية الكبرى


عُرف ابن الفارض فى الأدب العربى الصوفى وغير الصوفى بـ"سلطان العاشقين" حتى إن الكثير من الباحثين رأوا أن ابن الفارض هو شاعر الحب أو العشق الإلهى على الإطلاق.
إلا أن الدراسة الدلالية فى لغة الحب كما ترد فى التائية الكبرى فكشفت أن لغة الحب، رغم أهميتها في شعر ابن الفارض، لها دور محدود فى التجربة الصوفية الفارضية. فهناك في في ديوان ابن الفارض ثلاثة أصول لغوية لها مركزية واضحة فى قاموس الحب الفارضى، وهى (حـ_ب_ب) ـ (هـ_و_ي) ـ (و_ل_ي).  

"الأنا الجمعى" قمة التجربة الصوفية لابن الفارض

فمن خلال التحليل الدلالي بدا جليًّا أن لفظ "الأنا" هو اللفظ المركزى للتجربة الصوفية في شعر ابن الفارض بغير منافس. وقد اتضح على ضوء هذا الاكتشاف أن المقصد الأسمى والغاية القصوى للتجربة الصوفية فيه إنما هو الاكتشاف والتحقيق لـ"ذاته" أو لـ"الأنا" فى أبعد أبعاده أو أعمق أعماقه. والواقع أن اللفظ "أنا" هو اللفظ المركزى للديوان كله على الأطلاق، وهو كذلك اللفظ المركزى لكل المراحل الصوفية الثلاث من الفرق والاتحاد والجمع في قصيدته التائيَّة الكبرى

خاتمة

وختامًا لهذه الدراسة يتضح أن التسمية التقليدية لابن الفارض كـ"سلطان العاشقين" لا تُعبَّر عن عمق تجربته الصوفية وأبعادها البعيدة. إنما ابن الفارض فى الحقيقة يجب أن يُفهم على أنه شاعر الـ"الأنا الجمعى" الذى يجد حقيقة ذاته فى الاندماج التام في الحقيقة العليا التى هى فى الاصطلاح الصوفى، كما رأينا، تسمَّى "النور المحمدى" أو "الحقيقة المحمدية" أو "الإنسان الكامل". فليس وصف الحب والجمال فى شعر ابن الفارض إلا جزءًا محدودًا ومرحلةً عابرة فى سفره الصوفى الذى يهدف إلى آفاق أعلى وأوسع ألا وهى "بحار الجمع"، أى تلك الحقيقة النورية العليا التى هى مصدر الكل ومرجع الكل. فربما ساعدت هذه الدراسة الدلالية ـ كما نعتقد ـ على مراجعة بعض الأحكام الموروثة على أشعار ابن الفارض ومعناها الصوفى. وربما تدَّخِر لنا الأيام من يتقدم بدراساتٍ أخرى قد توضح ما خَفِى علينا من أسرار هذا الشاعر المصرى العظيم

ملخص ومقدمات التائية الكبرى


ملخص ومقدمات التائية الكبرى

1- استهلال بلغة الحب (التَّغَزُّل). (الأبيات: 1- 116):

بالعودة إلى اللغة التقليدية للشعر الغزليّ العربيّ، التي كان المتصوفة قد تبنَّوها منذ أمد بعيد للتعبير عن تجربتهم الروحية في الحب الإلهي، يُعْلِنُ الشاعر عن حبه المُتَّقِدِ لمحبوبته. وبمحاكاة المفردات المختزنة لدي شعراء الغزل، يصف الشاعر المتصوف تباريح شوقه، ذلك الذي يحترق داخله ويُضْنِِيه، بل إنَّ الشاعر علاوة على ذلك يُقْسِمُ أنه على استعداد تام للموت والمحق التام في سبيل محبوبته. وترُدّ المحبوبة عليه بفظاظة، وبعودتها على نحو مماثل إلى المفردات التقليدية للشعر الغزلي، وتوبخ الشاعر وتُعَنِّفُهُ، عارضةً أنَّ ألفاظه ليست صادقة وأنه لا يزال بعيدًا عن الفناء الحق في الحب. في هذا الاستهلال الشعري يلجأ ابن الفارض ‘إلى استخدام الصور والتعبيرات التي تُشَكِّلُ الموضوع الرَّئيسيَّ لقصائده الصغار، إلى حَدِّ أنَّ المرء يمكنه اعتبار هذا الاستهلال الغزلي تلخيصًا لهذه القصائد.