سِيرة ابن الفارض



سِيرة ابن الفارض 

لم تحمل إلينا المصادر التاريخية الكثير من أخباره وسيرة حياته. ولد أبو القاسم عمر بن الفارض، الحموى الأصل والمصرى النشأة والمقام والوفاة، فى القاهرة فى الرابع من ذى القعدة سنة 576 هـ/ 1181م. ويتفق جميع من ترجموا له على أن اسمه "عمر"، وكنيته "أبو القاسم" أو "أبو حفص"، ولقبه "شرف الدين"، وأنه ابن أبى الحسن على ابن المرشد بن على، من أسرة كانت تفتخر بأن لها نسبًا متصلاً ببنى سعد، قبيلة حليمة السعدية مرضعة محمد، رسول الإسلام. 

عاصر ابن الفارض الأحداث المجيدة التى حققها الأيوبيون. فقد ترعرع فى أيام صعود القائد البطل الناصر صلاح الدين الأيوبى إلى ذروة مجده، وعاش فى ظل الملك الكامل فى مصر، وتوفى قبل سقوط الدولة الأيوبية على أيدى المماليك بعدة سنين.
كان أبوه يعمل بالفقه حتى أصبح فقيهاً شهيرًا خاصة فى إثبات ما فُرض للنساء على الرجال من حقوق في المواريث، فغلب عليه لقب "الفارض"، ومن ثم لقب ابنه عمر بـ "ابن الفارض".
بدأ الشاعر سياحته الصوفية مبكرًا. فكان عمر يذهب إلى وادى المستضعفين بالمقطم وهو جبل شرقى القاهرة. ثم يعود من سياحته إلى أبيه الذى كان يُلزم ابنه بالجلوس معه فى مجالس الحكم ومدارس العلم. تعلَّم أن الفارض الحديث على يدى أحد من كبار المحدثين فى عصره، وهو العلامة الشافعى أبو محمد القاسم بن على بن عساكر الدمشقى (ت 700 هـ/ 1205م). وهكذا انتمى ابن الفارض للمذهب الشافعى فلقب بالشافعى.
وباشارة من جانب أحد من الأولياء سافر ابن الفارض إلى مكة فجاورها فترة من حياته وَفْقًا لما صار عادةً عند الكثير من الصوفية، طالبًا فى رحابها الفيض الإلهى الذى لم يفض عليه ولم يفتح به فى ديار مصر. فقد عاش هناك بين أودية مكة قُرابة خمس عشرة سنة، يُحتَمَل بين سنة 613 هـ/ 1216م وسنة 628 هـ/ 1231م. فأنشد ذاكرًا ذلك الزمان، (من الدالية "خفف السير...." الأبيات: 30- 32):

يَا سَجيِرِي رَوِّحْ بِمَكَّةَ رُوحِي


شَادِيًا إِنْ رَغِبْتَ فِى إِسْعَادِى

كَانَ فِيهَا أُنْسِى وَمِعْرَاجُ قُدْسِى

وَمُقَامِى المَقَامُ وَالفَتْحُ بَادِ


وبعد رجوعه إلى مصر لم يُعَمَّر طويلاً، فقد تُوُفِّي بعد ذلك بأربع سنوات، يوم الثلاثاء الثانى من جمادى الأولى سنة 632 هـ/ 1235م. فدُفن فى اليوم التالى بالقرافة، بسفح المقطم عند مجرى السيل تحت المسجد المعروف بالعارض، وهو مُقامٌ على الجبل المذكور.
والجدير بالذكر أن ابن الفارض لم يترك لنا سوى ديوانه المعروف، فلم يُعثَر له على أى نوعٍ من رسالةٍ أو كتاب نستعين به لتوضيح مذهبه الصوفي.
ومن أصدق ما قيل عن ابن الفارض تلك الأبيات التى كتبها سِبْطُه علىٌّ على ضريحه:

جُزْ بالقَرافَةِ تحْتَ ذَيْلِ العَارِضِ


وَقُلِ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ، يَا ابْنَ الفَارِضِ

أَبْرَزْتَ فِى نَظْمِ السُّلُوكِ عَجَائِبًا


وَكَشَفْتَ عَنْ سِرٍّ مَصُونٍ غَامِضِ

وَشَرِبْتَ مِنْ كَأْسِ المَحَبَّةِ وَالوَلاَ


فَرَوِيْتَ مِنْ بَحْرٍ مُحِيطٍ فَائِضِ


هذا وقد ظل شعر ابن الفارض موضع الإعجاب والاهتمام عند الكثير من الباحثين عرباً كانوا أم عجمًا، شرقًا قطنُوا أم غربًا. فمن أبرز الدارسين له في الغرب: الين ر. نيكولسون، جون أ. اربري، وكارلو ناللينو، وفي الشرق: مصطفى محمد حلمي وعاطف جََودة نصر. أما الذي جدَّد في دراسة وفهم شعر ابن الفارض الصوفي فهو المستشرق الإيطالي جوزيـﭘـي سكاتولين الذي أجرى دراسة دلالية لألفاظ ديوان ابن الفارض فأتى بنتائج مهمة في فهم الشاعر الصوفي المصري العظيم، هو عمر بن الفارض. فنعرض هنا بعض تلك النتائج الأساسية.