قافية التاء لابن الفارض الجزء الثالث

 601. وناهيكَ جمعاً ، لا بفَرقٍ مساحتي *** مكانٍ مقيسٍ أوْ زمانٍ موقَّتِ
602. بذاكَ علا الطوفانُ نوحٌ ، وقدْ نجا *** بهِ مَنْ نجا منْ قومِهِ في السَّفينةِ
603. وغاضَ لهُ ما فاضَ عنهُ ، استِجادةً، *** وجدَّ إلي الجُوديّ بها واستقرَّتِ
604. وسارَ ومتنُ الرِّيحِ تحتَ بساطهِ، *** سُليمانُ بالجيشينِ ، فوقَ البسيطةِ
605. وقبلَ ارتِدادِ الطرفِ أحْضِرَ مِنْ سبا *** لهُ عَرْشُ بلقيسٍ ، بغيرِ مشقَّةِ
606. وأخمَدَ إبراهيمُ نارَ عدوِّهِ، *** وعنْ نورِهِ عادتْ لهُ روضَ جنّةِ
607. ولمَّا دَعا الأطيارَ مِنْ كلِّ شاهِقٍ، *** وقدْ ذبحَتْ ، جاءتهُ غيرَ عَصيَّةِ
608. ومنْ يدهِ موسى عصاهُ تلقَّفتْ، *** منَ السِّحرِ ، أهوالاً على النَّفسِ شقَّتِ
609. ومِنْ حَجَرٍ أجري عيوناً بضربةٍ *** بها دِيَماً ، سَقَّتْ ، وللبَحرِ شَقَّتِ
610. ويُوسُفُ ، إذْ ألقى البَشيرُ قَميصَهُ *** على وَجْهِ يَعقوبٍ ، عليهِ بأوبةِ
611. رآهُ بعينٍ ، قبلَ مَقدَمِهِ بَكَى *** عليهِ بها ، شوقاً إليهِ ، فكُفَّتِ
612. وفي آلِ إسرائيلَ مائدةٌ مِنَ ال *** سَّماءِ لعيسى ، أنزلتْ ثمَّ مُدَّتِ
613. ومِنْ أكمهٍ أبْرَا ، ومنْ وضحٍ عدا *** شفى ، وأعادَ الطِّينَ طيراً بنفخةِ
614. وسِرُّ انفعالاتِ الظّواهرِ ، باطناً *** عنِ الإذنِ ، ما ألقتْ بأذنكَ صيغتي
615. وجاءَ بأسرارِ الجميعِ مُفيضها *** علينا ، لهمْ ختماً على حينِ فترةِ
616. وما منهمْ ، إلاَّ وقدْ كانَ داعياً *** بهِ قومهُ للحقِّ ، عنْ تبعيَّةِ
617. فعالِمنا منهمْ نبيٌّ ، ومنْ دعا *** إلى الحقِّ منَّا قامَ بالرُّسليَّةِ
618. وعارفنا ، في وقتنا ، الأجدىَّ مَنْ، *** أولي العزمِ منهمْ ، آخذٌ بالعزيمةِ
619. وما كان منهمْ معجزاً ، صارَ بعدهُ، *** كرامةَ صدِّيقٍ لهُ ، أوْ خليفةِ
620. بعترتهِ استغنتْ عنِ الرُّسلِ الورى، *** وأصحابهِ والتَّابعينَ الأئمَّةِ
621. كراماتهمْ منْ بعضِ ما خصَّهمْ بهِ *** بما خصَّهمْ منْ إرثِ كلِّ فضيلةِ
622. فمنْ نصرةِ الدِّينِ الحنيفيِّ ، بعدهُ *** قتالُ أبي بكرٍ ، لآلِ حنيفة
623. وساريةٌ ، الْجاهُ للجبلِ الندا *** ءُ مِنْ عُمَرٍ ، والدَّارُ غيرُ قريبةِ
624. ولمْ يشتغلْ عثمانُ عنْ وردهِ ، وقدْ *** أدارَ عليهِ القومُ كأسَ المنيَّةِ
625. وأوضحَ بالتَّأويلِ ما كانَ مشكلا *** علىٌّ ، بعلمٍ نالهُ بالوصيةِ
626. وسائرهمْ مثلُ النجومِ ، منِ اقتدى *** بأيِّهمِ منهُ اهتدى بالنَّصيحةِ
627. وللأولياءِ المؤمنينَ بهِ ، ولمْ *** يروهُ اجتِنا قربٍ لقربِ الأخوَّةِ
628. وقربهمُ معنىً لهُ ، كاشتياقهِ *** لهمْ صورةً ، فاعجبْ لحضرةِ غيبةِ
629. وأهلٌ تلقَّي الرُّوح َباسمي ، دعوا إلى *** سبيلي ، وحجُّوا الملحدينَ بحجَّتي
630. وكلهمُ ، عنْ سبقِ معنايَ ، دائرٌ *** بدائرتي ، أوْ واردٌ مِنْ شريعتي
631. وإنِّي ، وإنْ كنتُ ابنَ آدمَ صورةً، *** فلي فيه معنىً شاهدٌ بأبوَّتي
632. ونفسي على حَجْرِ التَّجلِّي ، برُشدها، *** تجلَّتْ ، وفي حِجْرِ التَّجلِّي تربَّتِ
633. وفي المهدِ حزبي الأنبياءُ ، وفى عنا *** صري لوحيَ المحفوظُ ، والفتحُ سورتي
634. وقبلَ فِصالي ، دونَ تكليفِ ظاهري، *** ختمتُ بشرعي الموضحي كلَّ شِرْعةِ
635. فهُمْ والألى قالوا بقولهمِ على *** صراطيَ ، لمْ يَعدُّوا مواطئَ مِشيتي
636. فيُمْنُ الدُّعاةِ السَّابقينَ إليَّ في *** يَميني ، ويسرُ اللَّلاحقينَ بيَسرَتي
637. ولا تحسبنَّ الأمرَ عنِّي خارجاً، *** فما سادَ إلاَّ داخِلٌ في عبودتي
638. ولولايَ لمْ يُوجدْ وُجودٌ ، ولمْ يكنْ *** شهودٌ ولمْ تُعهدْ عهودٌ بذمَّةِ
639. فلا حيَّ ، إلاَّ مِنْ حياتي حياتهُ، *** وطوعُ مرادي كلُّ نفسٍ مُريدةِ
640. ولا قائلٌ ، إلاَّ بلفظي محدِّثٌ، *** ولا ناظِرٌ إلا بناظِرِ مُقلتي
641. ولا منصتٌ ، إلابسمعيَ سامعٌ، *** ولا باطشٌ إلاَّ بأزلي وشِدَّتي
642. ولا ناطقٌ غيرى ، ولا ناظرٌ ، ولا *** سميعٌ سِوائي منْ جميعِ الخليقةِ
643. وفي عالم التَّركيبِ ، في كلِّ صورةٍ، *** ظهرتُ بمعنىً ، عنهُ بالحسنِ زينتي
644. وفي كلِّ معنىً ، لمْ تُبِنْهُ مَظاهري، *** تصوَّرتُ لا في صورةِ هيكليَّةِ
645. وفيما تراهُ الرُّوحُ كشفَ فراسةٍ، *** خفيتُ عنِ المعنى المعنَّى بدقَّةِ
646. وفي رَحَمُوتِ البَسطِ ، كليَ رَغبةٌ، *** بها انبسطتْ آمالُ أهل بَسيطتي
647. وفي رَهَبُوتِ القبضِ ، كليَ هَيبَةٌ، *** ففيما أجَلْتُ العينَ منِّي أجَلّتِ
648. وفي الجمعِ بالوَصفينِ ، كليَ قربةٌ، *** فحيَّ على قربَى خِلالي الجميلةِ
649. وفي مُنتهَى في ، لمْ أزلْ بيَ واجِداً *** جَلالَ شهُودي ، عنْ كمالِ سجيَّتي
650. وفي حيثُ لا في ، لمْ أزلْ فيَّ شاهِداً *** جَمَالَ وُجُودي لا بناظرِ مُقلتي
651. فإنْ كنتِ منِّي ، فانْحُ جمعي وامْحُ فر *** قَ صَدْعي ، ولا تجنحْ لجنحِ الطبيعةِ
652. فدونكها آياتِ إلهامِ حِكمةٍ، *** لأوهامِ حَدسِ الحِسِّ ، عنكَ مزيلةِ
653. ومِنْ قائلٍ بالنَّسخِ ، والمَسخُ واقِعٌ *** بهِ ، أبرأْ ، وكنْ عمَّا يراهُ بعزلةِ
654. ودَعْهُ ودَعْوَى الفسخِ ، والرَّسخِ لائقٌ *** بهِ ، أبداً ، لو صحَّ في كلِّ دورةِ
655. وضربي لكَ الأمثالَ ، مِني مِنَّةٌ *** عليكَ بشأني ، مرةً بعدَ مرةِ
656. تأمَّلْ مقاماتِ السَّرُوجيِّ ، واعتبرْ *** بتلوينهِ تحْمَدْ قبولَ مَشورتي
657. وتدرِ التباسَ النفسِ بالحِسِّ ، باطناً، *** بمظهَرِها ، في كلِّ شكلِ وصورةِ
658. وفي قولِهِ إنْ مانَ فالحقُّ ضاربٌ *** بهِ مثلاً والنفسُ غيرَ مُجِدَّةِ
659. فكنْ فطِناً ، وانظرْ بحِسِّكَ ، مُنصِفاً *** لِنفسِكَ في أفعالِكَ الأثريةِ
660. وشاهدْ ، إذا استجليتَ نفسكَ ما ترى، *** بغيرِ ِمِرَاءٍ ، في المَرائي الصَّقيلةِ
661. أغيرُكَ فيها لاحَ ، أم أنتَ ناظرٌ *** إليكَ بها ، عندَ انعِكاسِ الأشعةِ
662. وأصْغِ لرَجعِ الصّوتِ ، عندَ انقِطاعِهِ *** إليكَ ، بأكنافِ القصورِ المَشيدَةِ
663. أَهَلْ كانَ منْ ناجَاكَ ، ثَمَّ ، سِواكَ ، أمْ *** سَمِعتَ خِطاباً عن صَداكَ المُصَوِّتِ
664. وقلْ لِيَ : مَنْ ألقى إليكَ عُلومَهُ، *** وقد رَكَدتْ منكَ الحواسُ بغفوةِ
665. وما كنتَ تدري ، قبلَ يومكَ ، ما جرَى *** بأمْسِكَ ، أو ما سوفَ يجري ِبغدْوَةِ
666. فأصبحتَ ذا عِلمٍ بأخبارِ منْ مضى *** وأسرارِ منْ يأتي ، مُدِلاً بِخبرَةِ
667. أَتحسبُ من جاراكَ ، في سِنةِ الكرَى، *** سِواكَ بأنواع العُلومِ الجليلةِ
668. وماهيَ إلا النَّفسُ ، عندَ اشتِغالهَا، *** بِعَاَلِمهَا ، عن مَظهَرِ البشريةِ
669. تجلَّتْ لها بالغيبِ في شكلِ عالِمٍ، *** هَدَاها إلى فَهْم المعاني الغريبةِ
670. وقدْ طُبعتْ فيهَا العُلومُ ، وأُعلِنَتْ *** بأَسمائِها ، قِدْماً ، بوَحْيِ الأبوَّةِ
671. وبالعِلمِ مِنْ فوقِ السِّوَى ما تنعَّمَتْ، *** ولكنْ بما أَمْلَتْ عليها تمَلَّتِ
672. ولَو أَّنها ، قبلَ المنامِ ، تجَرَّدَتْ *** لشاهَدْتَها مِثلي ، بعينٍ صَحيحَةِ
673. وتجريدُها العاديُّ أثبتَ ، أوَّلاً، *** تجرُّدَها الثَّاني الَمعَادِي ، فأثبتِ
674. ولا تكُ ِممَّن طيَّشَتْهُ دُرُوسُهُ، *** بحيثُ استقلَّتْ عقلهُ واستقرَّتِ
675. فثمَّ وراءَ النقلِ ، عِلمٌ يَدِقُّ عنْ *** مَدارِكِ غاياتِ العُقولِ السَّليمَةِ
676. تلقَّيتهُ منّي ، وعَني أخْذتهُ، *** ونفسِيَ كانتْ ، منْ عَطائي ، مُمدَّتي
677. ولاتكُ بالّلاهي عنْ اللهوِ جُملةً، *** فَهزْلُ المَلاهي جِدُّ نفسٍ مُجدَّةِ
678. وإيّاكَ والإعراضَ عنْ كلِّ صورةٍ *** مُموَّهةٍ ، أو حالةٍ مُستحيلةِ
679. فطيفُ خيالِ الظّلِّ يُهدي إليكَ ، في *** كرَى الّلهوِ ، ما عنهُ الستائرُ شُقَّتِ
680. ترىَ صورةَ الأشياءِ تُجلي عليكَ ، مِن *** وراءِ حِجابِ الَّلبسِ ، في كلِّ خِلعةِ
681. تجمَّعَتِ الأضدادُ فيها لِحِكمةٍ، *** فأشكالهَا تبدُو على كلِّ هيئةِ
682. صَوامتُ تُبدي النطقَ ، وهيَ سواكنٌ *** تُحرِّكُ ، تُهدي النُّورَ ، غيرَ ضَوِيَّةِ
683. وتضحَكُ إعجاباً ، كأجذلَ فارِح، *** وتبكي انتِحاباً ، مثلَ ثَكلى حزينةِ
684. وتندبُ ، إن أنّت على سلبِ ِنعمةِ، *** وتطرَبُ ، إنْ غنَّتْ على طيبِ نغمةِ
685. ترى الطَّيرَ في الأغصانِ يُطربُ سَجعُهَا، *** بتغريدِ ألحانٍ ، لديكَ ، شجيّةِ
686. وتعجَبُ من أصواتِها بِلغَاتِها، *** وقدْ أعرَبَتْ عنْ ألسُنٍ أعجَميَّةِ
687. وفي البرِّ تسرِي العِيسُ ، تخترقُ الفَلا، *** وفي البحرِ تَجري الفُلكُ في وَسطِ لُجّةِ
688. وتنظرُ للجيشينِ في البرِّ ، مرَّةً، *** وفي البحرِ ، أُخرى ، في جُموعٍ كثيرةِ
689. لباسُهُمُ نَسجُ الحديدِ لِبأسِهِمْ، *** وهُم في حمَى حدَّي ، ظُبىً وأسنِةِ
690. فأجنادُ جيشِ البرِّ ، ما بينَ فارسٍ *** على فرَسٍ ، أو راجلٍ ، رَبِّ رِجلَةِ
691. وأكنادُ جيشِ البحرِ ، ما بينَ راكبٍ *** مَطَا مَركَبٍ ، أو صاعِدٍ ، مِثلَ صَعْدةِ
692. فمِنْ ضاربٍ بالبِيضِ ، فتكاً ، وطاعِنِ *** بسُمْرِ القَنا العَسَّالةِ السَّمهريِّةِ
693. ومِنْ مُغرَقٍ في النَّارِ ، رَشقاً بأسهمٍ، *** ومِنْ مُحْرِقٍ بالماءِ ، زَرْقاً بشعلةِ
694. ترى ذا مُغيراً ، باذِلاً نفسهُ ، وذا *** يُوَلّي كسِيراً ، تحتَ ذلِّ الهزيمةِ
695. وتشهدُ رَمْيَ المنجنيقِ ، ونصْبَهُ *** لهدمِ الصَّياصي ، والحُصونِ المَنيعةِ
696. وتلحظُ أشباحاً ، تراءي بأنفسٍ *** مُجَرَّدةٍ ، في أرضها ، مُستجنَّةِ
697. تُباينُ أنْسَ الإنسِ صورةُ لبْسِها، *** لوَحْشتِها ، والجنُّ غيرُ أنيسةِ
698. وتطرَحُ في النّهرِ الشِّباكَ ، فتخرجُ ال *** سِّماكَ يَدُ الصَّيادِ منها ، بسرعةِ
699. ويحتالُ ، بالأشراكِ ، ناصِبُها على *** وقوعِ خِماصِ الطَّيرِ فيها بحبةِ
700. ويَكسِرُ سُفنَ اليَمِّ ضاري دوابهِ، *** وتظفرُ آسادُ الشَّرى بالفريسةِ
701. ويصطادُ بعضُ الطَّيرِ بعضاً منَ الفضا، *** ويقنصُ بعضُ الوَحشِ بَعضاً بقفرَةِ
702. وتلمَحُ منها ما تخطَّيتُ ذكرهُ، *** ولمْ أعتمِدْ إلاَّ على خيرِ مُلحَةِ
703. وفي الزَّمنِ الفرْدِ اعتبرْ تلقَ كلَّ ما *** بدا لكَ ، لا في مُدَّةٍ مُستطيلةِ
704. وكلَّ الَّذي شاهدتهُ فِعلُ واحِدٍ *** بمفرَدِهِ ، لكنْ بحُجْبِ الأكِنّةِ
705. إذا ما أزال السِّترَ لمْ ترَ غيرهُ، *** ولمْ يَبقَ ، بالأشكالِ ، إشكالُ ريبةِ
706. وحقَّقتَ ، عندَ الكشفِ ، أنَّ بنورهِ اهْ *** تدَيْتَ ، إلى أفعالهِ ، بالدُّجُنَّةِ
707. كذا كنتُ ، ما بيني وبينيَ ، مُسبِلاً *** حِجابَ التباسِ النّفسِ ، في نورِ ظلمةِ
708. لأظهرَ بالتّدريجِ ، للحِسِّ مؤنِساً *** لها ، في ابتداعي ، دُفعَةً بعدَ دُفعَةِ
709. قرنتُ بجدِّي لهوَ ذاكَ مُقرّباً، *** لِفهْمِكَ ، غاياتِ المَرامي البَعيدةِ
710. ويجمَعُنا ، في المظهرينِ ، تشابهٌ، *** وليستْ ، لحالي ، حالهُ بشبيهةِ
711. فأشكالهُ ، كانتْ مظاهرَ فعلِهِ، *** بسترٍ تلاشتْ ، إذ تجلَّى ووَلَّتِ
712. وكانتْ لهُ ، بالفعلِ ، نفسي شبيهةً، *** وحِسِّي كالإشكالِ ، والِّلبسُ سُترَتي
713. فلمَّا رَفعْتُ السِّترَ عنِّي ، كرَفعِهِ، *** بحيثُ بدتْ لي النَّفسُ منْ غيرِ حُجَّةِ
714. وقدْ طلعَتْ شمسُ الشُّهودِ ، فأشرقَ ال *** وجودُ ، وحَلَّتْ بي عُقودُ أخيَّةِ
715. قتلتُ غلامَ النَّفسِ بينَ إقامتي ال *** جدارَ لأحكامي ، وخرقِ سفينتي
716. وعُدْتُ بإمدادي على كلِّ عالِمٍ، *** على حَسَبِ الأفعالِ ، في كلِّ مُدَّةِ
717. ولوْلا احتجابي بالصِّفاتِ ، لأحْرِقتْ *** مَظاهرُ ذاتي ، مِنْ سَناءِ سجيّتي
718. وألسِنةُ الأكوانِ ، إنْ كنتُ واعِياً، *** شهودٌ بتوحيدي ، بحالٍ فصيحةِ
719. وجاءَ حديثٌ ، في اتِّحاديَ ، ثابتٌ، *** روايتهُ في النَّقلِ غيرُ ضعيفةِ
720. يُشيرُ بحُبِّ الحقِّ ، بعدَ تقرَّبٍ *** إليهٍ بنفلٍ ، أوْ أداءِ فريضةِ
721. وموضِعُ تنبيهِ الإشارةِ ظاهرٌ، *** بكنتُ لهُ سَمْعاً ، كنُورِ الظَّهيرةِ
722. تسَبَّبتُ في التَّوحيدِ ، حتَّى وَجَدتهُ، *** وواسِطةُ الأسبابِ إحْدَى أدلَّتي
723. ووحَّدتُ في الأسبابِ ، حتَّى فقدتها، *** ورابطةُ التَّوحيدِ أجْدَى وسيلةِ
724. وجرَّدتُ نفسي عنهما ، فتجرَّدتْ، *** ولمْ تكُ يوماً قطُّ غيرَ وحيدةِ
725. وغصتُ بحارَ الجمعِ ، بلْ خضتها على *** انفِراديَ ، فاستخرَجتُ كلَّ يتيمةِ
726. لأسْمَعَ أفعالي بسَمْعِ بَصيرةٍ، *** وأشهَدَ أقوالي بعَينٍ سَميعَةِ
727. فإنْ ناحَ في الأيكِ الهَزارُ، وغرَّدتْ، *** جواباً لهُ ، الأطيارُ في كلِّ دَوحَةِ
728. وأطربَ بالمزمارِ مُصْلِحَهُ على *** مُناسبةِ الأوتارِ مِنْ يَدِ قينةِ
729. وغنَّتْ منَ الأشعارِ ما رَقَّ فارتقتْ *** لِسِدْرَتِها الأسرارُ في كلِّ شدْوَةِ
730. تنزّهتُ في آثارِ صُنعي ، مُنزَّهاً *** عنِ الشِّركِ ، بالأغيارِ جمعي وألفتي
731. فبي مجلسُ الأذكارِ سمعُ مُطالعٍ، *** وفي حانةِ الخمّارِ عينُ طليعةِ
732. وما عقدَ الزِّنَّارَ ، حُكماً ، سوى يدى، *** وإنْ حُلَّ بالإقرارِ بي ، فهيَ حَلَّتِ
733. وإنْ نارَ ، بالتَّنزيلِ مِحرابُ مسجدٍ، *** فما بارَ ، بالإنجيلِ ، هيكلُ بيعةِ
734. وأسفارُ توراةِ الكليمِ لقومهِ، *** يُناجي بها الأحْبَارُ في كلِّ ليلةِ
735. وإنْ خرَّ للأحجارِ ، في البُدِّ ، عاكفٌ، *** فلا وَجْهَ للإنكارِ بالعصبيَّةِ
736. فقدْ عبدَ الدِّينارَ ، مَعنىً ، مُنزّهٌ *** عنِ العارِ بالإشراكِ بالوَثنيةِ
737. وقدْ بلغَ الإنذارَ عنِّيَ مَنْ بغى، *** وقامتْ بيَ الأعذارُ في كلِّ فِرقةِ
738. وما زاغتِ الأبصارُ منْ كلِّ مِلَّةٍ، *** وما راغتِ الأفكارُ في كلِّ نِحلةِ
739. وما اختارَ مَنْ للشَّمسِ عنْ غرَّةٍ صَبا، *** وإشراقها مِنْ نورِ إسفارِ غرَّتي
740. وإنْ عبدَ النَّارَ المجوسُ ، وما انطفتْ *** كما جاءَ في الأخبارِ في ألفِ حِجّةِ
741. فما قصدوا غيري ، وإنْ كانَ قصدُهمْ *** سِوايَ ، وإنْ لمْ يُظهِروا عَقدَ نيَّةِ
742. رأوا ضَوءَ نوري ، مرًّةً ، فتوهَّمو *** هُ ناراً ، فضلّوا في الهُدَى بالأشعَّةِ
743. ولولا حِجابُ الكوْنِ قُلتُ ، وإنَّما *** قِيامي بأحكامِ المظاهرِ مُسكِتي
744. فلا عَبثٌ والخلقُ لمْ يُخلقوا سُدىً، *** وإنْ لمْ تكنْ أفعالهمْ بالسَّديدةِ
745. على سِمَةِ الأسماءِ تجري أمورُهمْ، *** وحِكمةُ وَصْفِ الذَّاتِ ، للحكمِ ، أجْرَتِ
746. يُصَرِّفهمْ في القبضتينِ ، ولا ولا، *** فقبضةُ تنعيمٍ وقبضةُ شِقوَةِ
747. ألا هكذا ، فلتعرفِ النَّفسُ ، أو فلا، *** ويُتلَ بها الفرقانُ كلَّ صَبيحَةِ
748. وعِرفانها مِنْ نفسها ، وهِيَ الَّتي، *** على الحِسِّ ، ما أمَّلتُ منِّي ، أمْلَتِ
749. ولوْ أنَّني وَحَّدْتُ ، ألحدتُ ، وانسَلخْ *** تُ مِنْ آيِ جَمعي ، مُشرِكاً بيَ صَنعَتي
750. ولستُ مَلوماً أنْ أبُثَّ مَواهبي، *** وأمنحَ أتباعي جزيلَ عَطيَّتي
751. ولي مِنْ مُفيضِ الجَمعِ ، عندَ سلامهِ *** عليَّ بأوْ ، أدنى إشارَةِ نسبةِ
752. ومنْ نورهِ مِشكاةُ ذاتي أشرَقتْ *** عليَّ فنارتْ بي عِشائي ، كضَحوَتي
753. فأشهِدتُني كَوْني هناكَ ، فكُنتهُ، *** وشاهَدتهُ إيَّايَ ، والنُّورُ بَهجتي
754. فبي قدِّسَ الوادي ، وفيهِ خلعتُ خلْ *** ع نعلي على النّادي ، وجُدتُ بخِلعتي
755. وآنستُ أنواري ، فكنتُ لها هُدىً، *** وناهيكَ منْ نفسٍ عليها مُضيئةِ
756. وأسَّستُ أطواري ، فناجَيتُني بها، *** وقضَّيتُ أوْطاري ، وذاتي كَليمَتي
757. وبَدريَ لمْ يأفلْ ، وشمسيَ لمْ تغِبْ، *** وبي تهتدي كلُّ الدَّرارى المُنيرةِ
758. وأنجمُ أفلاكي جرَتْ عنْ تصَرُّفي *** بمِلكي ، وأمْلاكي ، لِمُلكي خَرَّتِ
759. وفي عالَمِ التَّذكارِ للنّفسِ عِلمُها الْ *** مُقدّمُ ، تستهديه منِّي فِتيَتي
760. فحَيَّ على جَمْعي القديمِ ، الَّذي بهِ *** وَجَدْتُ كُهُولَ الحَيِّ أطفالَ صِبيَةِ
761. ومِنْ فضلِ ما أسأرْتُ شربُ معاصري، *** ومَنْ كانَ قبلي ، فالفضائلُ فَضْلَتي


نعم بالصَّبا قلبي صبا

1. نعم بالصَّبا قلبي صبا لأحِبتي، *** فيا حبذا ذاك الشّذا حينَ هبَّتِ
2. سرتْ فأسرَّتْ للفؤادِ ، غُدَيَّةً، *** أحاديثَ جيرانِ العُذيبِ ، فسرَّتِ
3. مُهَيْنِمَةٌ بالرَّوضِ ، لَدْنٌ رِداؤها، *** بها مَرَضٌ ، مِنْ شأنهِ بُرْءُ علَّتي
4. لها بأعيشابِ الحِجَازِ تَحَرّشٌ *** بهِ ، لا بخَمرٍ ، دونَ صَحْبيَ ، سَكرتي
5. تذكِّرُني العَهْدَ القديمَ ، لأنَّها *** حَدِيثةُ عَهْدٍ منْ أُهَيْلِ مَوَدَّتي
6. أيا زاجراً حمرَ الأواركِ ، تاركَ ال *** مَوَاركِ ، منْ أكوارها ، كالأريكةِ
7. لكَ الخيرُ إنْ أوضحتَ توضحَ مُضحياً، *** وجُبتَ فيافي خبتِ آرامِ وَجْرَةِ
8. ونكَّبتَ عنْ كُثبِ العُريض مُعارضاً *** حُزوناً ، لحُزوي ، سائقاً لسويقةِ
9. وباينتَ باناتٍ ، كذا ، عنْ طويلعٍ، *** بسلعٍ ، فسلْ عنْ حِلَّة فيهِ حلَّتِ
10. وعرِّجْ بذيَّاكَ الفريقِ ، مُبلِّغاً، *** سَلِمْتَ ، عُريباً ، ثَمَّ ، عنِّي تحيَّتي
11. فلي ، بينَ هاتيكَ الخيامِ ، ضنينةٌ *** عليَّ بجمعي ، سَمْحَةٌ بتشتُّتي
12. مُحجَّبةٌ بينَ الأسنِّةِ والظُّبي، *** إليها انثنتْ ألبابُنا ، إذْ تثنَّتِ
13. ممنَّعةٌ ، خلعُ العذارِ نقابها، *** مُسَرْبَلةٌ بُرْدَيْنِ ، قلبي ومهجتي
14. تُتِيحُ المَنايا إذْ تُبيحُ ليَ المُنى، *** وذاكَ رَخيصٌ مُنيتي بمَنيَّتي
15. وما غَدَرَتْ في الحُبِّ أنْ هَدَرَتْ دَمي *** بشرعِ الهوى ، لكنْ وَفتْ إذْ توَفَّتِ
16. متى أوْعَدَتْ أولتْ ، وإنْ وَعدتْ لوتْ، *** وإن أقسمتْ ، لا تبرئُ السَّقمَ بَرَّتِ
17. وإنْ عَرَضَتْ أطرِقْ حَياءً وهَيبَةً، *** وإنْ أعْرَضَتْ أشفِقْ ، فلم أتلفَّتِ
18. ولوْ لمْ يَزُرْنِي طيفُها ، نحوَ مَضْجَعي، *** قضيتُ ، ولمْ أسطِعْ أراها بمُقلتي
19. تخيُّلَ زُورٍ كانَ زَورُ خيالها، *** لمشبههِ ، عنْ غيرِ رؤيا ورؤيةِ
20. بفرطِ غرامي ذِكرَ قيسٍ بوَجدِهِ، *** وبَهجتُها لُبْني ، أمَتُّ ، وأمَّتِ
21. فلمْ أرَ مثلي عاشِقاً ، ذا صَبابَةٍ، *** ولا مثلها مَعشوقةً ، ذاتَ بهجةِ
22. هيَ البدرُ أوصافاً ، وذاتي سَماؤها، *** سَمَتْ بي إليها همَّتي ، حينَ همَّتِ
23. مَنازِلُها منِّي الذِّراعُ ، توسُّداً، *** وقلبي وطرْفي أوْطنتْ ، أو تجلَّتِ
24. فما الوَدْقُ ، إلاَّ منْ تحلُّبِ مَدْمَعي، *** وما البَرْقُ ، إلاَّ منْ تلهُّبِ زَفرَتي
25. وكُنتُ أرَى أنَّ التعشُّقَ مِنْحَةٌ، *** لقلبي ، فما إنْ كانَ ، إلاَّ لِمِحْنتي
26. مُنعَّمَةُ أحْشايَ كانتْ قُبَيْلَ ما *** دَعَتها لِتشقي بالغرامِ ، فلبَّتِ
27. فلا عادَ لي ذاكَ النَّعيمُ ، ولا أرى، *** منَ العيشِ ، إلاَّ أنْ أعيشَ بشقوتي
28. ألا في سبيلِ الحبِّ حالي وما عسى *** بكمْ أنْ ألاقي ، لو دَرَيْتُمْ ، أحبَّتي
29. أخذتمْ فؤداي ، وهوَ بعضي ، فما الَّذي *** يَضُرُّكمُ أنْ تتبعوهُ بجُملتي؟
30. وجَدتُ بكمْ وجْداً ، قُوى كلِّ عاشقٍ، *** لوِ احتملتْ منْ عبئهِ البعض ، كلَّتِ
31. برى أعظُمي ، منْ أعظَمِ الشَّوقِ ، ضِعفُ ما *** بجَفني لِنوْمي ، أوْ بضُعفي لِقوَّتي
32. وأنحَلني سُقمٌ ، لهُ بجُفونِكمْ *** غرامُ التِياعي بالفؤادِ ، وحَرْقتي
33. فضُغفي وسُقمي ، ذا كرَأيْ عواذلي، *** وذاكَ حديثُ النَّفسِ عنكمْ برَجْعَتي
34. وَهَى جَسَدي مِما وهَى جلَدي ، لذا *** تحمُّلهُ يَبْلى ، وتبقى بَلِيَّتي
35. وعُدتُ بما لمْ يُبْقِ منِّي مَوْضِعاً *** لِضُرٍّ ، لعُوَّادي حُضوري كغيبتي
36. كأنِّي هِلالُ الشَّكِّ ، لوْ لا تأوَّهي، *** خَفِيتُ ، فلمْ تُهْدَ العُيونُ لرُؤيتي
37. فجسْمي وقلبي ، مستحيلٌ ووَاجبٌ *** وخدِّي مندوبٌ لجائزِ عبرتي
38. وقالوا : جَرَتْ حُمْراً دموعُكَ ، قلتُ : عنْ *** أمورٍ جَرَتْ ، في كَثرةِ الشَّوقِ ، قلَّتِ
39. نحَرتُ لضيفِ الطَّيفِ ، في جَفنيَ الكرى *** قِرًى فجَرى دَمْعي دَماًَ فوقَ وَجْنتي
40. فلا تنكروا ، إنْ مسَّني ضرُّ بينكمْ، *** علىَّ سؤالي كشفَ ذاكَ ورَحْمَتي
41. فصبْري أراهُ ، تحتَ قدري ، عليكمُ، *** مُطاقاً ، وعنكم ، فاعذروا ، فوقَ قدرتي
42. ولما توَافيْنا ، عِشاءً ، وضمَّنا *** سَوَاءُ سبيلى ذي طوىً ، والثَّنيَّةِ
43. ومَنَّتْ ، وما ضَنَّتْ علىَّ بوقفةٍ، *** تُعادِلُ عندي ، بالمُعرَّفِ وَقفتي
44. عَتبتُ ، فلمْ تُعتِبْ ، كأنْ لمْ يكنْ لِقاً، *** وما كانَ إلاَّ أنْ أشرتُ وأوْمَتِ
45. أيا كعبةَ الحُسنِ ، الَّتي ، لِجمالِها، *** قلوبُ أولي الألبابِ ، لبَّتْ وحَجَّتِ
46. بريقُ الثَّنايا منكِ أهدى لنا سنا *** بُرَيْقِ الثَّنايا ، فهوَ خيرُ هَديَّةِ
47. وأوحَى لِعَيْني أنّ قلبي مُجاورٌ *** حِماكِ ، فتاقتْ للجَمال وحَنّتِ
48. ولوْلاكِ ما استهدَيْتُ برقاً ، ولا شجَتْ *** فؤادي ، فأبكتْ ، إذ شدَتْ ، وُرْقُ أيكةِ
49. فذاكَ هُدىً أهْدى إليَّ ، وهذهِ، *** على العُود ، إذ غنَّتْ ، عنِ العودِ أغنتِ
50. أرومُ ، وقدْ طالَ المدَى ، منكِ نظرةً، *** وكمْ منْ دماءِ ، دونَ مَرْمايَ ، طلّتِ
51. وقدْ كنتُ أدعي ، قبلَ حُبِّيكِ ، باسلاً، *** فعُدتُ بهِ مُستبسلاً ، بعدَ مَنعتي
52. أقادُ أسيراً ، واصطباري مُهاجري، *** وأنجدُ أنصاري أسىً ، بعدَ لهفتي
53. أما لكِ عنْ صدٍّ أمالكِ عن صدٍّ *** لظلمكِ ، ظلماً منكِ ، ميلٌ لعطفةِ؟
54. فبَلُّ غليلٍ منْ عليلٍ على شفاً، *** يُبِلُّ شفاءً منهُ ، أعظمُ منَّةِ
55. فلا تحسبي أنِّي فنيتُ ، منَ الضَّنى، *** بغيركِ ، بل فيكِ الصَّبابةُ أبلتِ
56. جمالُ محيَّاكِ ، المصونُ لِثامُهُ *** عنِ الَّلثمِ ، فيهِ عُدتُ حيّاً كميِّتِ
57. وجنَّبني حُبِّيكِ وَصْلَ مُعاشِرى *** وحَبَّبَني ، ما عشتُ قطعَ عَشيرتي
58. وأبعَدَني ، عنْ أرْبُعي ، بُعدُ أربعٍ: *** شبابي ، وعقلي ، وارتياحي ، وصِحَّتي
59. فلي ، بعدَ أوطاني ، سكونٌ إلى الفلا، *** وبالوَحشِ أنسي إذ منَ الإنس وَحْشتي
60. وزهَّدَ في وَصلي الغوانيَ ، إذْ بَدا *** تيلُّجُ صبحِ الشَّيبِ ، في جنحِ لمَّتي
61. فرُحْنَ بحُزْنٍ جازعاتٍ ، بُعَيدَ ما *** فرِحنَ بحزنِ الجزعِ بي ، لشبيبتي
62. جهلنَ ، كلوَّامي ، الهوى ، لا علمنهُ، *** وخابوا ، وإنِّي منهُ مُكتهلٌ ، فَتي
63. وفي قطعيَ اللاَّحي عليكِ ، ولاتَ حي *** نَ فيكِ جدالٍ ، كانَ وجهُكِ حجَّتي
64. فأصبحَ لي ، منْ بعدِ ما كانَ عاذِلاً *** به ، عاذراً ، بلْ صارَ منْ أهلِ نجدتي
65. وحَجِّيَ ، عَمْري ، هادياً ظلَّ مُهدياً *** ضلالَ ملامي ، مثلُ حَجِّي وعُمرَتي
66. رَأى رَجَباً سمعي الأبيَّ ولَوْميَ ال *** مُحَرَّمَ عنْ لؤمٍ ، وغِشٍّ النَّصيحةِ
67. وكمْ رامَ سِلواني هواكِ ، مُيَمِّماً *** سِواكِ ، وأنّي عنكِ تبديلُ نيَّتي؟
68. وقالَ : تلافَ ما بَقي منكَ ، قلتُ : ما *** أرانيَ إلاَّ للتلافِ تلفُّتي
69. إبائي أبَى إلاَّ خِلافيَ ، ناصِحاً، *** يحاولُ منِّي شيمةً غيرَ شِيمتي
70. يلذُّ لهُ عَذلي عليكِ ، كأنَّما *** يَرى مَنَّهُ مَنِّي ، وسَلوَاهُ سَلوَتي
71. ومُعْرِضَةٍ عن سامِرِ الجَفنِ ، راهِبِ ال *** فؤادِ المُعنَّى ، مُسلمِ النَّفسِ ، صدَّتِ
72. تناءتْ فكانتْ لذَّةَ العيشِ وانقضتْ *** بعُمري ، فأيدي البَينِ مُدَّتْ لمُدَّتي
73. وبانتْ ، فأمَّا حسنُ صبري فخانني، *** وأمَّا جفوني بالبكاءِ فوفَّتِ
74. فلمْ يَرَ طرْفي بعدها ، ما يَسُرْني، *** فنومي كصُبْحي حيثُ كانتْ مسَرَّتي
75. وقدْ سَخِنتْ عَيْني عليها ، كأنَّها *** بها لمْ تكنْ ، يوماً منَ الدَّهرِ ، قرَّتِ
76. فإنسانُها مَيتٌ ، ودَمْعِيَ غُسْلَهُ، *** وأكفانهُ ما ابيضَّ ، حُزناً لفُرقتي
77. فللعينِ والأحشاءِ ، أوَّلَ هلْ أتى، *** تلا عائِدي الآسي ، وثالِثَ تبَّتِ
78. كأنَّا حلفنا ، للرَّقيبِ ، على الجفا، *** وأنْ لا وَفا ، لكنْ حَنثتُ وبَرَّتِ
79. وكانتْ مَواثيقُ الإخاءِ أخيَّةً، *** فلمَّا تفرَّقنا عَقدْتُ وحَلَّتِ
80. وتاللهِ ، لمْ أخترْ مذمَّةَ غدرِها، *** وفاءً ، وإنْ فاءتْ إلي خترِ ذِمَّتي
81. سقى ، بالصَّفا ، الرُّبعيُّ ، ربعاً به الصَّفا، *** وجادَ ، بأجيادٍ ، ثرى منهُ ثروتي
82. مخيَّمَ لذَّاتي ، وسَوْقَ مَآربي، *** وقِبلةَ آمالي ، ومَوطنَ صَبوَتي
83. منازلُ أنسٍ ، كُنَّ ، لمْ أنسَ ذِكرها *** بمنْ بُعدُها والقربُ ، ناري وجَنَّتي
84. ومِنْ أجْلها حالي بها ، وأجِلُّها *** عنِ المَنِّ ، ما لمْ تخفَ ، والسُّقمُ حُلَّتي
85. غرامي ، بشعبٍ عامرٍ شعبَ عامرٍ، *** غريمي ، وإنْ جاروا ، فهمْ خيرُ جيرتي
86. ومِنْ بَعدِها ، ما سُرَّ سِرِّي لِبُعدِها، *** وقدْ قطعَتْ منها رجائي بخيبتي
87. وما جَزَعي ، بالجَزْعِ ، عنْ عبثٍ ، ولا *** بَدا ، وَلَعاً فيها ، وُلوعي بلوْعَتي
88. على فائِتٍ منْ جمعِ جمعٍ تأسُّفي، *** ووُدٍّ على وادي مُحَسِّرَ حَسْرَتي
89. وبَسْطٍ ، طَوى قبضُ التّنائي بساطَهُ *** لنا بطوىً وَلَّى بأرْغدِ عِيشةِ
90. أبيتُ بجفنٍ ، للسُّهادِ ، مُعانِقٍ، *** تُصافحُ صَدري راحَتي ، طولَ ليلتي
91. وذِكرُ أوَيقاتي ، الَّتي سَلفتْ بها، *** سَمِيريَ ، لو عادتْ أوَيقاتي الَّتي
92. رَعى اللهَ أياماً ، بظلٍّ جَنابهَا، *** سَرَقتُ بها ، في غفلةِ البَينِ ، لذَّتي
93. وما دارَ هَجرُ البُعدِ عنها بخاطري، *** لديها ، بوَصْلِ القربِ ، في دارِ هِجرتي
94. وقدْ كانَ عندي وَصْلُها دونَ مطلبي، *** فعادَ تمَنىِّ الهَجرِ ، في القربِ ، قُرْبَتي
95. وكم راحةٍ لي أقبلتْ ، حينَ أقبلتْ، *** ومِنْ راحتي ، لما توَلَّتْ ، توَلَّتِ
96. كأنْ لمْ أكنْ منها قريباً ، ولمْ أزلْ، *** بَعيداً ، لأيٍّ ما لهُ مِلْتُ ملَّتِ
97. غرامي أقِمْ ، صبري إنصرمْ ، دمعي إنسجمْ، *** عدوّي احتكمْ ، دهري انتقمْ ، حاسدي اشمتِ
98. ويا جَلَدي ، بعدَ النّقا ، لستَ مُسعِدي، *** ويا كَبِدي عَزَّ الِّلقا ، فتفتتى
99. ولَمَا أبَتْ إلاّ جِماحاً ودَارُها انتِزَاحاً *** وضنَّ الدَّهرُ منها بأوبةِ
100. تيقَّنتُ أنْ لا دارَ ، منْ بعدِ طَيبةٍ، *** تطيبُ وأنْ لا عِزَّةً بعدَ عَزَّةِ
101. سلامٌ على تلكَ المعاهِدِ مِنْ فتى، *** على حِفظِ عهدِ العامِريَّةِ ما فَتي
102. أعِدْ عندَ سمعي ، شاديَ القومِ ، ذِكرَ مَنْ *** بهِجرَنِها والوصلِ ، جادَت وضَنَّتِ
103. تُضَمِّنُهُ ما قُلتُ ، والسُّكرُ مُعلنٌ *** لسرِّى ، وما أخفتْ ، بصحوي ، سريرتي


الجزء الاول من هنا
الجزء الثاني من هنا